الأحد، 15 يناير 2017

مزماركم وتعشيرنا!

http://alrayalaam.com/123638/

منذ عهد أبينا إسماعيل عليه السلام وبناء البيت المعمور وتناسل ذريته من بعده ، ومكة وأرض الحجاز تشهد توافد العديد من القوافل التجارية وقوافل حجاج بيت الله الحرام بالإضافة لبعض المضيومين ممن هجروا أوطانهم نتجية البطش والتنكيل وآخرين منهم قدموا لطلب الرزق أو العلم أو خدمة البيت العتيق وضيوفه، فاستضافتهم القبائل العريقة التي تأوي المستجير وتكرم الغني والفقير وتسقي الضمآن وتجبر الكسير ، إلا أن تلك الهجرات لم تؤثر على موروث وثقافة المنطقة وقبائلها وسكانها الأصليين وحافظت على تراثها المتوارث من أجدادهم الأوائل حتى يومنا هذا، رغم أن العهد العثماني حاول ولاته لاحقاً بشتى الطرق طمس وتغير هوية الحجاز لمآرب سياسية في أنفسهم وعجزوا عن ذلك حين اصطدموا بثقافة جذورها راسخة في هذه الأرض المباركة.
وسيعجز أيضاً كل من يحاول اليوم فرض تراثه وثقافته المستوردة من الخارج على الهوية الحقيقية للحجاز ، وعلى من يتطاول على أهل الحجاز الأصليين متهماً إياهم بأنهم بدو رحل وبأنهم لايمتلكون وطن أو تاريخ أو حضارة، وماهم إلا مجرد بدو رحل رعاع يمتهنون الرعي وقطع الطرق أن يعي بأن التاريخ لايمكن لأحد أن يطمسه بلعبة مزمار (أفريقية) أو بأزياء لايخفى على أحد أصولها أو بلهجات دخيلة أو بأكلات لم تعهدها الجزيرة العربية قبل مئة عام أو بأحاديث وقصص مكذوبة وروايات يكتبها إبن الأمس، ممن يجهل تاريخنا.
القبائل الحجازية والمعروفة من السروات وتهامة مثل قريش وخزاعة وكنانة وهذيل وسليم وحرب وهوازن وبني الحارث وعتيبة وعدوان وثقيف وفهم وجهينة، وغيرها من القبائل المعروفة والتي تشهد لحاضرتها وباديتها وتجارتها وكرمها وبسالتها وفروسيتها وقوة جيوشها أصقاع الأرض قاطبة ، ففنونها الشعبية مثل المجرور والمجالسي والتعشير والرجز والعرضة والزهم والحدا والطاروق والقلطة والزامل امتدت لقرون حين توارثتها الأجيال عبر القرون، لتكون من ركائز ثقافة أرض الحجاز الراسخة والتي لايستطيع أن يستبدلها برقصة المزمار، والرقص حول النار كتراث حجازي أصيل كما يصور لنا البعض .
كما أن الحجاز اشتهر أيضاً بأزيائه العربية الجميلة مثل الحمودي والمصدع والقراب والحشكل والمجدول والمزهب وغيرها من الألبسة المتعارف عليها عند الحجازيين والبعيدة عن الألبسة التي تخص مجتمعات تعيش خلف البحار ويحاول البعض أن يجعل منها أساس الزي الحجازي ، ناهيكم عن أكلاتها الشهيرة گالعريكة والعصيدة والخبازة والقرصان والمضير والمعقل والمثرية والهريسة والمضومر والمعدوس، والتي لازال أهلها يعدونها حتى وقتنا هذا في مناسباتهم المختلفة.
فلا يمكن بأي حال من الأحوال الحديث عن الحجاز دون المرور على ألعابه الشعبية كالطيبان والمركوز والزقيطة والشارة ، فمثل هذا التراث والتاريخ الغني لايمكن إخفائه خلف جدار مهلهل لايستر الحقيقة التي يحاول البعض حجبها ، والهدف هنا ليس إقصاء أو تهميش إخوة لنا يشاركوننا حق المواطنة والحقوق والواجبات وخدمة هذا الوطن، فجميعنا نجتمع اليوم تحت راية التوحيد وهذا الوطن وسنكمل مسيرة أجدادنا بإستضافة وإحتواء المجاورين الكرام بقلوب نقية مفتوحة للجميع بمختلف مكوناتهم وثقافاتهم المتعددة، فهم أحبابنا وضيوفنا وجيراننا وشركائنا في بناء هذا الوطن.
وختاماً: هذا المقال يوضح بعض اللبس عند من يجهل تاريخ الحجاز الحقيقي ويحاول تشويهه وحصره في ثقافة وهوية حارة من حارات الحجاز الكبير والغني بثقافته العربية التي سطرتها كتب التاريخ عن رجالات ونساء ومواقف تلك القبائل العريقة، وشهدت لهم جبالها وأراضيها وبيوتها وقصورها وطرقاتها وقلاعها التي تم بناؤها منذ آلاف السنين، حين بدأت تلك القبائل بترسيخ مفاهيم الحضارة والعمران في الجزيرة العربية منذ العهود السابقة للإسلام وقبل وفود المجاورين الذين لايمكن لأحد أن يصادر حقهم بافتخارهم بثقافتهم وإعتزازهم بها وممارستها، شريطة أن لايقصون بشكل متعمد إرث وثقافة وهوية أبناء الحجاز الأصليين ومحاولة طمس تاريخهم وفرض تلك الثقافات الدخيلة كبديل عنها مشوهين بذلك تاريخ المنطقة الحقيقي.
إبراهيم السليمان
كاتب سعودي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق